على الرغم ممّا في رِحلةَ الدراسة من شعور بلذّة التعلم والتعرف على ألوان مختلفة من الناس، واكتساب الكثير من المعلومات والمهارات، إلا إنها تبقى رحلةً محفوفة بالمصاعب والهموم والأزمات.
وقد تتنوع هذه المصاعب بين دراسة موادَّ معقّدة تتطلبُ جهداً مكثفاً في الحفظ والتدارس، وبين اختبارات وامتحانات تحدد مصير سعينا لسنةٍ أو سنوات، وتصل إلى مصاعب حياتية أخرى تهاجمنا ونحن في خضمِّ مسيرتنا العلمية، منها ما يكون ماديّاً، أو اجتماعياً، أو نفسياً، وقد تكبر لتكونَ ظروفاً قاهرةً عامة كالحروب والكوارث الطبيعية وغيرها من الأزمات التي قد تعرقل مسيرتنا العلمية أو توقفها لفترات تطولُ وتقصر.
هذه المطبّات قد تدفع بعض الأفراد إلى الاستسلام ومغادرة مقاعد الدراسة، لكنّها تشكّل لدى البعض الآخر عناصرَ تحدٍّ فيواجهها بصلابة وشجاعة، بوصفها ظروفاً طارئة، تضيف لشخصية الإنسان تجاربَ تنضجها وتمنحها أكثر مما تأخذ منها.
فلابد من الالتفات إلى إن كل تعب يشعر به العدّاء الذي يركض لمسافات طويلة يتلاشى في لحظة بلوغه الهدف، وإن إحساس النجاح والنصر كفيلٌ بمحو مرارة الأزمات والمصاعب وعسرها.
وفي الحقيقة إن التجارب الصعبة هي التي تُظهر معدن الإنسان الحقيقي، وتُفجِّر قواه الكامنة، وتشحذ جوهرة عقله ليظهر بريق الحكمة الذي تُخفيه الرتابة والراحة.
وبنظرةٍ شاملة لنتيجة الأزمات والمصاعب بعد تجاوزها والانتصار عليها، سندرك أنها من أكبر نعم الله (سبحانه وتعالى)، فلولاها لما تعرفنا على ذواتنا، ولا عرفنا مقدار القوة التي نتمتع بها، ومدى تميزنا عن الآخرين الذين استسلموا منذ المصاعب الأولى وتركوا مقاعدهم في الرِحلة خالية، ليعيشوا طوال حياتهم يتطلعون بعين الندم إلى طائرة نجاحنا وهي تُحلق عالياً في سماء الحاضر والمستقبل.
